الاثنين، 21 أكتوبر 2013

أمين صبري... لاتكن من الرويبضة

بكل أسى وبكل مرارة تابعت ذلك الفيديو الذي عرضه الشاب المصري أمين صبري على قناته في اليوتيوب والذي زعم فيه أنه يرد على الشيخين أبو إسحاق الحويني ويوسف القرضاوي حول حديث خير أجناد الأرض الذي حكم الشيخ الحويني عليه بالبطلان من حيث الإسناد وهو والله أهل لذلك كيف لا وهو حجةٌ في هذا الزمان بعلم الحديث يكاد لا يدانيه أحد و لعلني لم أتذكر وأنا أتابع هذا المقطع سوى حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة قال : (سيأتي على الناس سنواتٌ خدَاعات, يصدَق فيها الكاذب, ويكذَب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخوَن فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة, قيل وما الرويبضة, قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.)) صححه الألباني.

ولقد أبيت أن يكون ردي على ماسمعت من هذا الشاب هو الرد المحض على هرطقاته وترَهاته في هذا المقطع وهي والله كثيرةٌ لاتحصى ومنها ماهو قذفٌ بغير بينة لحملة الدين وحماة الشريعة ومنها ماهو طعن في النوايا التي لايعلمها إلاَ الله وهذه وأيم الله من عظائم الذنوب وكبارها, رغم ذلك لا أجد في الصدر غير إشفاقٍ على ذلك الشاب وهواه الذي يكاد يرديه بغير علم ليلقى الله على سوءةٍ لاتغتفر من أجل ذلك آثرت الرد اللين الحصيف الذي يجمع بين بيان الخطأ والزلل و النصح والدعوة للحق عسى الله أن ينفع به هذا الشاب ومن ماثله في زلاته.
فأقول بعد الصلاة والسلام على خير الأنام إن سنة الله في الخلق أجمعين هي الخطأ والزلل, وفي حديث أنس يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : ( كل ابن آدم خطَاء وخير الخطَائين التوَابون ) رواه أحمد, وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم, ولجاء بقومٍ يذنبون, فيستغفرون الله, فيغفر لهم. ) رواه مسلم, وما أحسن قول الشاعر ومن ذا الذي ما ساء قط**ومن له الحسنى فقط, فالخطأ واردٌ على الإنسان لامحاله لكن الواجب معه هو النصح فيما بين المسلمين كما أرشد الهادي من حديث تميم الداري : ( الدين النصيحة, قلنا لمن يا رسول الله, قال لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. ) رواه مسلم, والواجب على من إقترفه العودة والتوبة عنه قبل أن يفوت أوان التوبة.

فيا أخي أمين إني لك ناصح وإني والله عليك مشفق وإن كنت والله لست أهلا للنصح إلاَ أنه لامفر منه فما جئت به في هذا المقطع يأبى علي إلاَ النصيحة ولا أملك لك غيرها فالحساب والعقاب على الله وحده, أخي العزيز أمين لا أخفيك سراً أنني وأنا أتابعك في هذا المقطع لم أقف على أخطائك الشرعية وحسب ولكنني وقفت أيضاً على مبادئ وأخلاق أقل مايقال فيها أنه لاينبغي لمسلم أن يتخلق بها لذلك جعلت ردي على ما أدليته من وجهين, وجهة يختص بالأخطاء الشرعية التي وقعت بها و وجهه يختص بمسألة المبادئ والأخلاق لدى المسلم وما ينبغي و ما لاينبغي على المسلم الوقوع فيه, وإني والله لم آلو جهداً في التبين من كل ماقلت في ذلك المقطع ما حملني على تكراره مراراً مكرهاً على أساه ومرارته.

أولاً: حديثك بغير علم :
وإن كنت لا أعلم بمؤهلك في علمٍ عظيم من علوم الأسلام كعلم الحديث إلا أنه لايخفى على أي عاقل وهو يستمع إلى ماتقول عن علم الحديث والمحدثين والأسانيد بإستخفاف وإزدراء أنك لاتملك بضاعةً في هذا العلم تمكنك من الحديث و الخوض فيه وهذا يا أخي الكريم هو الحديث بغير علم وأذكرك بقول الله تعالى في كتابه الذي أستشهدت به في مقطعك قال تعالى : ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)) فلا يجوز لك أخي الكريم الحديث في أي شأنٍ وإن كان دنيوياً مالم يكن لك به علمٌ يجوِز لك الحديث عنه فما بالك والأمر يختص بدين الله عز وجل وبعلم من أعظم علومه الذي حفظ الله به السنة المحمدية من التحريف والبطلان وهو علم الحديث النبوي الشريف, وهنا أيضاً أخي الكريم وقعت في خلقٍ ذميم لاينبغي لمسلم, فلو سلمنا جدلاً بصواب ردك على الشيخ الحويني وأنك ترد عليه بعلم فلا يكون ذلك إلاَ بأدب المسلم وتواضعه لله تعالى ولخلقه ولم يكن في ردك أيٌ من هذه الصفات بل طفقت تتعالى بكلامك على الشيخ المسن الذي تفاخرت أنك ساتتحفه برد شاب من عمر أحفاده عليه وليس هذا وحسب بل ذهبت للتفاخر بإنك صاحب الطريقة الفضلى والفريدة بالحكم على صحة الأحاديث من عدمها وأنك جئت بما لم يستطعه الأوائل ولم تدري بارك الله فيك أن من أصول علم الحديث التي عرفت عبر الأزمان الطوال أن الحديث يرد إذا خالف صريح القرآن الكريم دون جدل وإن كان الفصل في هذا الامر يعود أولاً وأخيراً لأهل العلم دون غيرهم فلربما ظن جاهلٌ أن حديثاً صحيحاً يخالف صريح القرآن بظاهره وهو لايخالفه حقيقةً ولا يعلم ذلك سوى أهل العلم العالمين بتفاسير الأحاديث ومقاصد الشريعة مع علمهم بتفاسير القرآن الكريم ومعانيه.
أما أوجهه ردك على حكم الشيخ الحويني على حديث خير أجناد الأرض بالبطلان فهي أوجههٌ قاصرة لا تدل إلاَ على شح بضاعتك في هذا العلم و مرةً أخرى حديثك بغيرعلم و أول أمر نستطيع ملاحظته من ردك أنه ردٌ عاطفيٌ بإمتياز لا علاقة له بعلم, ذلك أنك قد بينت و بوضوح أن سبب تصدرك لهذا الرد كان إستياءاً من إزاحة هذا الشرف وهو خيرية أجناد الأرض عن جيش بلادك الجيش المصري و كذلك كان ربطك لحكم الشيخ الحويني على الحديث بحدث من الأحداث كالذي تمر به مصر اليوم والذي يشكل الجيش المصري وقائده طرفاً فيها وهنا وقعت في خطأين أولهما هو ربطك لحكم الشيخ بما يجري من أحداث وكأن هذا الحكم من الشيخ على الحديث كان مرتبطاً بما يجري من أحداث في يومنا الحاضر وهذا ظلمٌ بين لاشك فيه ذلك أن الشيخ قد حكم على هذا الحديث بالبطلان منذ أمد بعيد جداً يتجاوز هذه الأحداث وماسبقها من أحداث إلى ماقبل أحداث الثورة المصرية حتى, وثاني الأخطاء هو دفاعك عن صحة هذا الحديث من منطلقٍ عاطفي بحت وهو حبك لجيش بلادك بأن يتصف بصفة عظيمة كأن يكون جنده هم خير أجناد الأرض وهو حقك أن تحبه وتريد له هذه المفخرة لكن الأولى بك كمسلم أن يكون حبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولسنته المطهرة أعظم من غيره كمالاً لإيمانك  كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام من حديث أنس : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَ إليه من والده و ولده والناس أجمعين.) رواه البخاري, أما أدلتك من كتاب الله تعالى حول تصحيح الحديث و وجهه الإستدلال فيها فهي الهرطقة التي لا جدال فيها ذلك أن أياً  من علماء المسلمين لم يقل بأنه يرجع إلى كتاب الله عزوجل لإثبات صحة حديث من أحاديث السنة وإنما يكون ذلك فقط في إثبات بطلانه لو خالف صريح القرآن الكريم وإلا فما أسهل أن يأتي وضَاعٌ بحديث من رأسه لايجعل مضمونه خلافاً لصريح القرآن الكريم وكتب الضعيف والموضوع عند أهل العلم تزخر بالأحاديث الضعيفة والموضوعة على رسول الله ولا يخالف مضمونها صريح كتاب الله عزوجل فهل يقال عنها أنها صحيحة؟!, بل إن أهل العلم يستشهدون أو يستأنسون ببعض الأحاديث الضعيفة لمضمونها الصحيح فكثير منها هو مما أختلط على الناس من قواعد الفقه أو من أقوال السلف حتى جعلوها أحاديث نسبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهاك أخي الكريم منها مثالاً حيا, حديثٌ مشهورٌ جداً لدى العامة بل وبعض أهل العلم وهو قوله: (أيما قرضٍ جرَ منفعةً فهو ربا ) وهذه قاعدة إسلامية فقهيةٌ راسخة وسليمة لكن نسبتها كقول للنبي الكريم باطلة ولم يخالف الحديث صريح كتاب الله بل وافقه فهل قال أهل العلم هذا حديث صحيح؟, الجواب هو لا, بل قالوا هو حديث ضعيف لايصح نسبته لرسول الله على صحة ما جاء فيه, فهو يستأنس به وحسب وهذا كان دأب أئمتنا من السلف من نقلة الحديث وحملته أولئك المحدثون الذين تناولتهم بإستخفاف وكأن لافضل لهم ولا منة وهم والله أهل الفضل والمنة الذين حرصوا على سنة الهادي الكريم وأحتملوا الأمانة النبوية إلينا بحرص حتى تقلبنا بأنعمها وأفضالها من علم بأوامر الله ومناهيه ومنادبه ثم جئت أنت لتنسفها نسفاً وتأتينا بمنظورك الجديد ومقياسك الفريد لصحة أحاديث السنة وضعفها, لا يا أخي الكريم ما هكذا تورد الإبل لا والله بل إستغفرالله من هذا الذنب بحديثك بغير علم عن سنة المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم,

ثانياً: وجهه الإستدلال من الآيات: 
ولعلك لم تتنبه أنك رددت على نفسك من كلامك قبل أن يرد عليك غيرك فأنت أنت وبعد إستشهادك بالآيات (( وقال ادخلوا مصر إن شاءالله آمنين )), (( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين )), (( ادخلوها بسلام آمنين )) توصلت إلى إستنتاجك العجيب والذي قلت فيه نصاً وصوتاً قلت: ( كيف سيقول سيدنا يوسف عليه السلام هذه الجملة إدخلو مصر إن شاء الله آمنين إلاَ إذا كان جيش هذه البلد وهذه الدولة من خير وأعظم وأفضل جيوش الأرض ) هذا نص كلامك بالحرف دون زيادةٍ أو نقصان أما ردك على نفسك فيه فهو أنك قلت: ( من خير وأعظم وأفضل جيوش الأرض ), كيف يكون ذلك رداً عليك؟, ببساطة لأن الحديث النبوي هو نص صريح يخبر به النبي وحيا عن ربه وما جاء في الحديث هو قوله: ( هم خير أجناد الأرض ) وما قال (هم من خير أجناد الأرض ) وأنت بوجهه إستدلالك هذا إنما تثبت أن جيش مصر هم من خير أجناد الأرض وليسوا خيرهم هذا طبعاً لو سلمنا بصحة هذا الإستدلال في الأساس وإلا فليس في الآيات الثلاث وما ذكر فيها من معناً للأمن دلالةٌ على ما تقول فقياساً عليه أيضاً يسعنا أن نقول أن جند الحرمين هم خير أجناد الأرض أيضاً كما في الآية الثانية فهل نبتدع حديثاً بهذا المعنى أيضاً على مقياسك الفريد؟!.

وأخيراً أخي في الله عليك أن تعلم أننا كمسلمين لانشك قطعاً بأن جند مصر هم حقاً من خير أجناد الأرض ولانشهد لهم بل هم يشهدون على أنفسهم ومواقعم مع الإسلام ونصرة الدين على أعداء الله كثيرةٌ و متواترة فهم من فتح الله بهم بيت المقدس مع صلاح الدين وإخوانهم من جند الشام وليست حرب أكتوبر المجيدة أمام العدو الإسرائيلي منا ببعيد ولسنا بحاجةٍ إلى حديث ضعيفٍ أو مكذوبٍ لنثبت أن جند مصر هم من خير أجناد الأرض مثلهم في ذلك كمثل إخوانهم من جند الإسلام في كل بقاع الأرض فعلم أخي في الله أن هذا الأمر دين لايسعه الجدل والرأي ولذلك أورد الإمام مسلم صاحب الصحيح في مقدمته قولاً عظيماً لأحد السلف وهو الإمام إبن سيرين قوله: (إن هذا الأمر دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم.) وهذه السنة المطهرة الصحيحة التي بين أيدينا اليوم ما كانت لتصلنا اليوم إلا بسبب أولئك المحدثين الذين حملوها ونقحوها من الضعيف والباطل والموضوع وإنما كانت طرائقهم في ذلك هي ما يسير عليها الشيخ الحويني وعلماء أمتنا في علم الحديث في هذا الزمان وما كان للشيخ ولا لغيره أن يبتدعوا طرائق أخرى من رؤسهم في الحكم على أحاديث السنة بل لقد لزموا غرز أولئك الأئمة الذين سبقوهم فلزم غرزهم بارك الله فيك وإستغفرالله من هذا الذنب وهذا الطعن في علماء الأئمة بغير حجة ولا سلطان مبين.



عبدالرحمن عليوة